بين العالم الحقيقي والافتراضي … من نحن بالفعل؟
صباح الخير … لمن تقولها كل صباح فور استيقاظك من النوم؟ … لوالديك أو أخيك أو أختك؟ .. لزوجك! .. لزوجتك؟ … أم لصديقك الذي تحادثه طوال الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي .. فيسبوك واتس أب .. وغيرها .. ترسلها حتى ولو لم يكن في حالة اتصال؛ لأنّه سيراها لاحقًا ويرد عليك بمثلها ويسألك عن أحوالك، ثم تتبادلان الأحاديث في طريقكما إلى العمل أو الجامعة وتخبره عن كل المستجدات معك، ويخبرك كل شيء يحدث في ذات اللحظة …
أون لاين .. متصل دائمًا .. تعرف كل ما يدور حولك مع أصدقائك وتخبرهم كل حدث لحظة بلحظة حتى أنّك قد تشعر بالقلق إن تأخر أحدهم بالرد عليك أكثر من قلقك لو تأخر أحد أفراد عائلتك خارج المنزل! .. وهذه حال غريبة وصلت إليها المجتمعات بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الكثيف، ورغم ذلك بات الجميع يشعر بالوحدة أكثر من السابق ويشكو هذا دائمًا، وتزداد حالات الاكتئاب وتتضاعف مشاكل الأزواج في البيوت ..
وحين يأتي أحدهم ليحلل المشكلة يبدأ بالقول أنّ دخول وسائل التواصل إلى حياتنا هو أصل البلاء وسبب الشقاء، وهو مصدر كل بلوى وكل مصيبة حلت بنا في مجتمعاتنا! … لا شك أنّك سمعت هذا الكلام من أحد ما حين رآك تجالس هاتفك أكثر ما تجالس أهلك، وتحدث أصدقائك ويعرفون عنك أكثر مما يعرفه أهلك عنك.
في اليابان … شخصيتك المفضلة تعيش معك في المنزل! …
قد خلت الدنيا وانتهى الأشخاص من العالم الحقيقي وباتوا يبحثون في العالم الافتراضي عن شخص يشاركهم حياتهم ويهتم بهم ويشعر معهم بالألفة. لم تعد الحيوانات تكفي البعض؛ لأنّها تبقى صامتة رغم الروح التي تحملها وردود الفعل الجميلة لأفعالها وتفاعلها، لكنهم يريدون شخصًا حسب مزاجهم يكون موجودًا متى أرادوا ويختفي حين يرغبون في الوحدة .. يسمعهم حين يرغبون بالتحدث ويتحدث حين يحتاجون المناقشة .. حتى الأصدقاء الافتراضيين الذين تعرفهم من مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يخالفوك أحيانًا أو ينشغلوا عنك أو يتصرفوا بطريقة لا تحبها. لذلك، أوجدت هذه ماركة غيت بوكس اليابانية حلًا من خلال جهاز يحاكي شخصيتك المفضلة في عالم الأنمي، ويجعلها تتفاعل معك وتراسلك على هاتفك خارج المنزل وتوقظك من نومك وتهتم بك ..
لماذا قد تحتاج صديقًا بعد هذا أو تفكر في الزواج؟ ..
يفكر الإنسان عادةً في الزواج حسب علماء النفس مدفوعًا بغريزته الاجتماعية وابتعادًا عن الوحدة، ورغبةً في وجود أشخاص يشاركونه تفاصيل حياته ..
(لهذا يتزوج الناس من حين لآخر .. أنت لست وحيدًا .. هناك من يعبأ بك .. هناك من يخاف عليك حقًا .. هناك من يجفف عرقك كلما احتشد على جبينك .. هناك من يهتم). أحمد خالد توفيق
ومنذ غزت وسائل التواصل الاجتماعي المجتمعات حتى بات الأزواج يقضون أوقاتهم مع أصدقائهم الافتراضيين أكثر مما يفعلون مع أزواجهم، وكثرت الخيانات الزوجية وعلاقات الحب الافتراضية التي جاءت نتيجة رغبة غير محققة بوجود من يهتم ويسأل.. ولأنّ الاهتمام والسؤال عبر الإنترنت أسهل بكثير من الاهتمام الواقعي، فقد وجد البعض ضالتهم في هذه المواقع مما جعلهم يدمنونها ..
من أنت حقيقة؟؟ ..
كل من يتعامل مع هذه الوسائل يعرف جيدًا أنّ شخصيته الافتراضية تختلف تمامًا عن شخصيته الحقيقية .. ربما هي أفضل أو أسوأ أو مجرد وجه آخر له لا يقدر على إظهاره، ولا يملك الشجاعة ليواجه به الآخرين فوجد هذا القناع وسيلةً جيدةً كي يختبئ خلفه ويقول ما يريد أن يقول. هناك الكثير من الأسماء الرمزية لحسابات أشخاص على الشبكة عدا الحسابات المزيفة التي تمنح صاحبها فرصة فعل ما يريد دون الخوف من رقابة المجتمع.
عدد هائل من الحسابات الوهمية والأسماء المزيفة التي تدخل وتتحدث عن السياسة والجنس والدين بطريقة غير لائقة وتهاجم من ترغب وتدعم من تريد دون خوف، وهذا ما يُشعر صاحبها أنّه يقوم بإبداء رأيه والتعبير عن نفسه في مجتمعات لم تتعود هذا ولم تتعلم كيف تحترم الاختلاف مع الآخرين، فكان لزامًا لكل من يريد أن يُظهر رأيًا مخالفًا أن يفعل هذا بشكل مبطن مخفي.
على وسائل التواصل الاجتماعي ستلتقي نوعين من الأشخاص، والفارق بينهما خيط رفيع جدًا قد تستطيع تمييزه:
الأول: يملك في داخله روحًا جميلةً تظهر من خلال حديثه تحقق مقولة الدكتور أحمد خالد توفيق: (لا شيء كالكتابة يقودك مباشرةً إلى الروح .. إنّ الصوت قد يكذب و قد يحبط الخيال .. لكن الكتابة تفتح عالمًا براقًا هائلًا من السحر و الرومانسية).
تسعد بمعرفته ويضيف لك الكثير في الواقع، تكتشف منه خصالًا قد لا تحبها إذا التقيت به حقيقة، لكنك تعرف أنّه يبقى إنسانًا له محاسنه وعيوبه.
الثاني: يجيد التمثيل واختلاق الأدوار والعيش فيها ببراعة، ويستطيع أن يمثل على من حوله حسب حالتهم ويتعامل مع كل شخص بما يعرف أنّه يجعل هذا الشخص ينجذب له ويتعلق فيه … منشوراته متناقضة جدًا أو عامة جدًا يتعمد أن يجعلها غامضةً تحتمل دائمًا جميع المعاني، هذا الشخص إذا قابلته في الحقيقة ستفر منه وتهرب لمجرة أخرى … وإن استطعت تمييزه على الشبكة فخير ما تفعله هو الحظر والتخلص منه فورًا.
المصدر: Arageek.com