تكنولوجيا

تكنولوجيا الحقيبة السوداء

تكنولوجيا الحقيبة السوداء

ليس الأمر أن طبيعة بعض العلوم بهذه الكيفية، فالعلم سلاح ذو حدين، واستخدامه يرجع لطبيعة وأهداف المستخدم نفسه.. نكمل الجزء الثاني لمقال “الإدراك الخفي” ونتعرف على تكنولوجيا “الحقيبة السوداء” التي نشأت بسبب أزمة “كوبا” في الستينيات.

اختراع هال. س. بيكر

في العام 1979 ابتكر البروفيسور “هال.س.بيكر” جهاز خاص ساعد الكثير من المتاجر الضخمة (السوبر ماركت) في كندا والولايات المتحدة في القضاء على أعمال السرقة والنهب من رفوفها المتعددة وقد زوّدت هذه المتاجر بأجهزة البروفيسور “بيكر” التي هي عبارة عن آلات صوتية خاصة تصدر موسيقى هادئة (سيمفونيات كلاسيكية)، لكنها تطلق بنفس الوقت رسائل مبطّنة تحثّ الزبائن على عدم السرقة وهذه الرسائل هي:“أنا نزيه … أنا لا أسرق …. إذا قمت بالسرقة سوف أدخل السجن …

تطلق هذه العبارات بسرعة كبيرة تجعل من الصعب تمييزها وقد نشرت مجلة “تايمز” الشهيرة في عددها المؤرخ بـ 10سبتمبر 1979 مقالة بعنوان “أصوات سرّية”، أجرت من أجل كتابتها تحقيق صحفي لـ 50 من هذه المتاجر الضخمة التي قامت باستخدام أجهزة البروفيسور، و بعد إجراء إحصاء عام، تبيّن أن السرقات انخفضت بنسبة كبيرة وإحدى هذه المتاجر اعترفت بأنها قامت بتوفير مبلغ نصف مليون دولار خلال عشرة أشهر فقط.

كما اُستخدمت هذه التكنولوجيا في السجون عن طريق الموسيقى التي تطلقها إذاعة السجن، وفي تصريح له أكد مسؤول رفيع المستوى يعمل في أحد السجون الغربية هذه الحقيقة وبأن تلك الرسائل الخفية لها مفعول كبير على إعادة تأهيل المساجين ومن جهة أخرى ساعدت في العمل على التهدئة لدرجة جعلت المشاكل و المشاحنات الدموية التي يثيرونها دائماً أقلّ بالمقارنة مع الفترة التي سبقت وضع هذا الجهاز الجديد.

 تطبيقات الاقمار الصناعية

رغم الخدمات الإيجابية التي تقدمها الأقمار الصناعية فهناك قدرة مرعبة أخرى مخيفة تتمثل بها وهي استهداف اشخاص، مراقبتهم و التلاعب بعقولهم من خلال بث رسائل صوتية خفية “Audio Subliminal Message“، هذه أصوات ضعيفة جداً لا يمكن أن تسمعها الأذن بشكل واعي ولكن يستقبلها العقل واستعمل لذلك “النيوروفون” (Neurophone)، الذي يفوق الوصف من حيث قدرته على التلاعب بالسلوك. لقد تم استخدام الـ “نيوروفون” – أو أداة مماثلة للنيوروفون – وتركيبه على الأقمار الصناعية والذي يمكن بواسطته تغيير السلوك بطريقة “البث” الصوتي الخفي “Subliminal Audio Broadcasting“، ولكن اعتماداً على مبدأ مختلف.

فبعد تحويل الصوت إلى نبضات كهربائية، يقوم النيوروفون بإرسال موجات لاسلكية إلى الجلد ومن هناك تنتقل إلى الدماغ مباشرة، متجاوزة الأذنين والعصب السمعي، ونتيجة لذلك يستقبل الدماغ الإشارة العصبية كما لو أنها اتصال سمعي، وأحياناً يحدث ذلك على مستوى العقل الباطن.

عند تحفيز الشخص بهذا الجهاز فإنه “يسمع” ولكن بطريقة مختلفة تماماً. كما يمكن للصم أن “يسمعوا” مجدداً بواسطة الـ “نيوروفون.” كانت الأقمار الصناعية التجسسية تنتهك حقوق الناس فيما يتعلق بالخصوصية حتى في الفترة التي سبقت طرح الرئيس الأمريكي السابق ريغان لـ “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” “Strategic Defense Initiative” أو ما يسمى بحرب النجوم في مطلع الثمانينات بعد أن أظهرت أزمة الصواريخ الكوبية التي حدثت عام 1962 الفائدة العسكرية للأقمار الصناعية.

حرب النجوم

 كان الغرض من مشروع “حرب النجوم” حماية الولايات المتحدة من خطر الصواريخ النووية إلا أنه اتضح عدم وجود جدوى من إسقاط الصواريخ بواسطة أشعة ليزر تطلقها الأقمار الصنعية. رغم الانتقادات لذلك البرنامج الضخم فقد أعطي برنامج حرب النجوم دفعة قوية لتكنولوجيا الرقابة الذي يعرف باسم تكنولوجيا “الحقيبة السوداء” مثل قراءة الأفكار وأشعة الليزر القادرة على مهاجمة الأفراد حتى وإن كانوا داخل المباني.

 ذكرت مجلة أسبوع الطيران وتكنولوجيا الفضاء Aviation Week & Space Technology عام 1984 أن مشروع “حرب النجوم” الذي يتم التعجيل بتنفيذه يتضمن إرساء عقود لدراسة شبكة أقمار صناعية تجسسية حتى لا يتم إساءة استخدام هذه التكنولوجيا الجديدة والمرعبة، ورغم ذلك لم يتم إخضاعها للرقابة الديمقراطية. حسب تعليق أحد الديبلوماسيين في الأمم المتحدة: “لم تكن حرب النجوم وسيلة لخلق جنة على الأرض، ولكن يمكن أن ينتج عنها جحيم على الأرض”.